أرشيف المستشار: المشاركة الاقتصادية في مكان العمل
هذا المقال مأخوذ من أرشيف المستشار صلاح. بينما تبقى النقاط الأساسية وهناك قيمة كبيرة يجب أخذها ؛ يجب أن يدرك القارئ أن المعلومات مثل الاعتبارات واللوائح البيئية قد تتغير في السنوات اللاحقة.
Al Bayan 8
أحد ركائز النجاح المالي هو الكسب المالي المتمثل و الناتج عن عمل الرجل أو المرأة أو عن المال المستثمر أو المال المشغل في تجارة أو صناعة أو عقار. و عندما يصعب علي الإنسان العمل و الكسب الشريف لسبب أو لآخر فأننا نجهز شريحة كبيرة من المجتمع لتواجه مستقبلا ماليا صعبا و فشلا ذريعا في إمكانية الوصول إلى الاستقرار و الأمن المالي المستقبلي، و استحالة تحقيق الأهداف المالية المستقبلية، بالإضافة إلى أن الشخص العاطل عن العمل يقع تحت ظروف نفسية سيئة ، حيث أنه يري بعدم فائدته في المجتمع و عدم إمكانيته في المساهمة الإيجابية في سوق العمل ، و إحساسه بضياع التعلم و التأهيل و التدريب في أيجاد الوظيفة المناسبة.
و تعتبر البطالة المقنعة و تمكين المواطنين من المساهمة في بناء اقتصاد الدولة بشكل فعال و مؤثر هما الشغل الشاغل لدول مجلس التعاون و هما المعضلة الحقيقية و التحدي الفعلي لجعل العنصر البشري المواطن أحد أركان القطاع الخاص ، عاملا جنبا إلى جنب مع العمالة الوافدة التي تشكل في الدولة 98% من أجمالي نسبة العاملين في القطاع الخاص.
و مما يساهم علي بقاء الوضع علي ما هو عليه ، أننا جميعا نبحث و ندرس و نجد بعض الحلول الجزئية و ليست الحلول الشمولية الجذرية التي تبنى علي الحقائق الموجودة علي أرض الواقع ، و تجارب الدول الأخرى المتقدمة في هذا المجال ولتعديل القوانين و اللوائح و النظم بما يلائم و أهداف التوطين و تحسين و ضع العمل في القطاع الخاص، علما بأن عدد المواطنين العاطلين عن العمل يقدر بثلاثين ألف مواطن و يزداد عددهم بشكل مطرد مما يدل علي خطورة الأمر و تطلب معالجة الأمر بجدية لكي لا نجد أنفسنا في وضع لا تحمد عقباه.
و من المشاكل التي تواجه دولتنا الفتية نظرا لزيادة نسبة العمالة الوافدة علي العمالة المواطنة في القطاع الخاص فان القطاع الخاص لم يحظى بالرعاية من حيث التقنين و التنظيم و رفع مستوي ظروف العمل شاملا الصحة و السلامة المهنية و وضع حد أدني للأجور و تصريحات العمل المؤقت و ضمان دفع الأجور و أيجاد برامج التقاعد و المعاشات و إنشاء مراكز التأهيل المهني و كفالة توافر الفرص الوظيفية للوافد و المواطن ، و نتيجة لإهمال رفع مستوى القطاع الخاص سابقا، فأننا نجري الآن و بسرعة لتصحيح الخطاء لأن أبنائنا و بناتنا المواطنين هم المعنيين و المطلوب منهم العمل في هذا القطاع الحيوي و الهام جدا لاقتصاد الدولة.
و أستطيع أن أقول من واقع الخبرة الشخصية و عملي في القطاع الحكومي و القطاع الخاص و عملي في دولة غربية هي الولايات المتحدة الأمريكية أن العقبة الرئيسية لمعالجة مشكلة البطالة الوطنية هي المفاهيم و المعتقدات السائدة و التي يجب أن تعالج وأن تغير قبل كل شيء آخر لضمان النجاح في عملية التوطين و تحقيق أهدافها و يمكن أدراج تلك المفاهيم كما يلي:
الدولة تعتبر لكثير من المواطنين في دول مجلس التعاون هي المسئولة عن تدريس و تطبيب و إسكان و تأهيل و تشغيل المواطن و هي المسئولة عن سلامة وضعه المالي ، مما يحد و يقلص مسئولية المواطن المباشرة أولا قبل الحكومة عن كل ما سبق و لذا نري الكثير من المواطنين الذين ينتظرون الحكومة بأن تفعل شيئا لهم و يعتقدون بأن دورهم هو التلقي لا العطاء و نجدهم جالسين في المنزل بعد التخرج ينتظرون الفرج.
التأهيل الأكاديمي هو مفتاح و بداية للعمل الفعلي و للإنتاج لا أن يكون هدفا بحد ذاته ، فنرى أبنائنا يتجهون إلى التعليم الأكاديمي مبتعدين عن مجال العمل فمعظم دول العالم الحديث بنيت علي سواعد عمال و موظفين مهره ، تعمل و تدرب و تؤهل و تدرس و في نفس الوقت لا تملك الماجستير و الدكتوراه. حيث يتجه كثير من المتخرجين حديثا من الثانوية العامة أو الدراسة الجامعية للعمل و لكسب قوت العيش و الخبرة ، و لا تتجه لدراسات عليا ألا بعد العمل لمدة سنوات حيث أن دراسة الماجستير و الدكتوراه تأتي بفائدة و بشيء جديد و نافع و تأتي نتيجة لخبرة و ممارسة عملية و ليست ناتجة عن بحث من مراجع فقط.
التأهيل المهني و العمل اليدوي يترفع الكثير من المواطنين عنهما متجهين إلى التعليم الأكاديمي مما يحرم المواطن من العمل في النجارة و الحدادة و الكهرباء و الصيانة و الخياطة و الحلاقة و الميكانيكا و التمريض و المجالات الأخرى من العمل الحرفي ، ففي دول مثل البحرين و إيران و الأردن و عمان تنتشر المئات من مراكز التأهيل المهني مطورة مهارات و قدرات و معرفة الأفراد مدعومة ببرامج الأمم المتحدة و البنك الدولي و منظمة العمل الدولية.
نظرة المواطن للعمل تكون منقوصة أو غير سليمة في بعض الأحيان ، فلا يوجد هناك عمل عيب أو أدني من المستوى فكل إنسان يعمل في مجاله و العمل يعتبر شرفا و فخرا للعامل الكاد الكاسب و لا يجب أن نسخر أو أن نترفع عن العمل و خاصة عند الحاجة. و لذا فأن كثير من المواطنين الجالسين في البيت ينتظرون الوظيفة المحترمة و المناسبة مضيعين فرص حقيقية للعمل و لتحقيق الذات.
التخصص و مجال الدراسة الأكاديمية يقف حجر عثرة لكثير من الخريجين فكل منهم يرغب بأن يعمل في مجال تخصصه و يبقى جالسا في البيت لسنوات ينتظر لعل و عسى يجد تلك الفرصة و واقع الحال يقول بأن الثلاثة عشر ألفا من الخريجين سنويا لم يخطط سابقا لاحتياجات سوق العمل لهم و معظم تخصصاتهم هي من التخصصات التي تشبع سوق العمل منها و فاض و هي من التخصصات الموجهة للعمل الحكومي و ليس للعمل في القطاع الخاص و تفتقر في كثير من الأحيان إلى الدراسة العملية التطبيقية كما هو الحال في كليات التقنية العليا الناجحة في هذا المجال.
و نظرا أيضا لتداخل الكثير من مجالات العمل بعضها في بعض اليوم فأن فرص التوظيف قد زادت ، فنري الشخص المتخصص في الحاسب الآلي يعمل في التسويق و الطبيب الذي يعمل في التأمين و المهندس المدني الذي يعمل في مجال السلامة و الأمن، و لذا يجب أن لا نضيع علي أنفسنا فرصة العمل و أن نبدأ في العمل بعد التخرج مباشرة لكسب الخبرة و المهارات العملية و لربما أحببنا مجال العمل الجديد و أبدعنا فيه ، و في نفس الوقت نبحث عن العمل في مجال التخصص إذا كانت لازالت الرغبة كذلك. و يجب أن نتذكر بأننا نختار مجال الدراسة في سن مبكرة (الثامنة عشرة) و يتم الاختيار في معظمه بتأثيرات خارجية كالأسرة و المجتمع و البيئة و ليس مبنيا علي مقدرتنا و احتياجاتنا و رغباتنا الفعلية.
الراتب وهو الإعاقة الكبرى فالراغب بالتوظف حديثا يرغب في وظيفة مدير و راتب مدير و إذا كان العمل في القطاع الخاص فيجب أن يكون الراتب موازيا و مساويا لراتب القطاع العام، و كل هذه الطلبات بدون أن يكسب طالب العمل خبرات عمل و مهارات و ممارسة عملية و فعلية تؤهله لاستلام الراتب الكبير و الامتيازات الوظيفية التي يجب أن تكون مساوية لمسئوليات و عطاء و أداء العمل.
و يقترح علي الدولة بأن تنشئ صندوقا خاصا لدعم وتمويل المواطنين حديثي التخرج أو العاطلين عن العمل بدفع مبلغ بسيط و لفترة محدودة (سنتين) و لمرة واحدة بالإضافة إلى راتب القطاع الخاص (3،000 درهم راتب القطاع الخاص+ 2،000الدعم الحكومي=5،000 درهم) مما سوف يشجع و يساعد الكثيرين علي الانخراط و العمل في القطاع الخاص.
العمل هو آخر شيء نبحث عنه و كثير من أبنائنا يتجه للدراسة الأكاديمية و أول وظيفة يعمل فيها يكون هو في سن الثلاثين وهو سن متأخر ، و لا يلقي الشاب و الشابة التشجيع الأسري للعمل في الإجازة الصيفية أو أن يعمل مؤقتا بضع ساعات في اليوم أو الأسبوع أو أن يساعد في أعمال المنزل لأن الخادمة و الزراع و المربية يقومون بجميع الأعمال ولا يتم حث الشباب و المواطنين عامة للمشاركة في العمل التطوعي والعمل اليدوي فيما عدا ما نشاهده في مراكز التراث السياحية.
و علينا أن نواجه المفاهيم الخاطئة و المغلوطة السابق ذكرها و التي أخذناها من فترة الطفرة وأن لا تصيبنا الحساسية المفرطة عندما تذكر لأنها واقع شئنا أم أبينا و هي الحقيقة المؤلمة ، بل يجب علينا أن نواجه تلك السلبيات و أن نحولها إلى فرص و إيجابيات و نمكن المواطن و المواطنة الشابة من أيجاد الفرص و الأهداف و وسائل تحقيقها بمجهودهم الذاتي مدركين أنها مسئوليتهم هم أولا و أخيرا.
و من التحسينات المطلوبة لظروف عمل القطاع الخاص: تأمينات البطالة و التي تمنح موظف القطاع الخاص نوعا من الحماية في حال فقدان الوظيفة و كانت أحدا شركات التأمين المحلية الرائدة قد وفرت هذا النوع من التغطية التأمينية ألا أن قانون العمل لا يشمل تأمينات البطالة.
إضافة ألي ذلك يجب أن تحدد الأجور الدنيا بأن نقول مثلا بأن أدني أجر هو 12 درهم لكل ساعة عمل ، و أن تحدد ساعات العمل و أن تنظم تبعا للنظام العالمي و منضمة العمل الدولية.
و أن يكون هناك ترخيص للعمل المؤقت أي أن الشخص يستطيع العمل لعدة ساعات في اليوم لدي الغير مما سيقلل أعداد العمالة الوافدة و يوفر علي صاحب العمل التكاليف الإضافية لجلب عمالة وافدة و يسمح لفتح سوق العمل المؤقت لما في ذلك من فائدة للمواطنين العاطلين عن العمل.
القطاع الخاص و امتيازاته لا يدركها الكثير من المواطنين فهو مجال و معترك لكسب الخبرات و المهارات و المعرفة العملية و هو مجال متوفر في الدولة لخلق عمالة وطنيه ماهرة و فعالة تساهم في رفعة و نهوض الاقتصاد المحلي و لربما الراتب الحكومي مغر في البداية و لكن راتب و امتيازات القطاع الخاص لاحقا تفوق بكثير و توفر حرية العمل و الانتقال في مجال العمل و لدي مثل حي لإحدى قريباتي التي رفضت الجلوس في البيت بعد التخرج و عملت براتب و قدرة ثلاثة آلاف درهم و نصف في أحد البنوك لتستلم الآن راتبا و مقداره عشرة آلاف درهم ، فهي تعمل كثيرا و تغمرها السعادة لأنها تعمل.